فصل: فصل في آداب المعاشرة والنظر فيما على الزوج وفيما على الزوجة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مختصر منهاج القاصدين (نسخة منقحة)



.فصل في طِيبٍ العِشْرَةِ:

ويعتبر في المرأة لطيب العشرة أمور:
أحدها: الدين، وهو الأصل، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «عليك بذات الدين»، فإذا لم يكن لها دين أفسدت دين زوجها، وأَزْرَتْ به. وإن سلكت سبيل الغيرة لم يزل في بلاء وتكدير عيش.
الثاني: حُسْن الُخُلقِ، فان سيئة الخلق ضررها أكثر من نفعها.
الثالث: حُسْن الخَلْق، وهو مطلوب، إذ به يحصل التحصن، ولهذا أمر بالنظر إلى المخطوبة. وقد كان أقوام لا ينظرون في الحُسْنِ، ولا يقصدون التمتع، كما روى أن الإمام أحمد رحمه الله اختار امرأة عوراء على أختها، إلا أن هذا يندر، والطباع على ضده.
الرابع: خِفَّة المهر، وقد زوج سعيد بن المسيب ابنته بدرهمين. وقال عمر رضي الله عنه: لا تغالوا في مهور النساء. وكما تكره المغالاة في المهر من جهة المرأة، يكره السؤال عن مالها من جهة الرجل. قال الثوري: إذا تزوج الرجل وقال: أي شيء للمرأة؟ فاعلم أنه لص.
الخامس: البكارة، لأن الشارع ندب إلى ذلك، ولأنها تحب الزوج وتألفه أكثر من الثيب، فيوجب ذلك الود، فان الطباع مجبولة على الأنس بأول مألوف، وهو أيضاً أكمل لمودته لها، لأن الطبع ينفر من التي مسها غيره.
السادس: أن تكون ولوداً.
السابع: النسب، وهو أن تكون من بيت دين وصلاح.
الثامن: أن تكون أجنبية. وكما ينبغي للرجل أن ينظر في المرأة، ينبغي للولي أن ينظر في دين الرجل وأخلاقه وأحواله، لأنه تصير بالنكاح مرقوقة، ومتى زوجها من فاسق أو مبتدع، فقد جنى عليها وعلى نفسه. قال رجل للحسن: من أُزّوج ابنتي؟ قال: ممن يتقى الله؟ فإنه إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لن يظلمها.

.فصل في آداب المعاشرة والنظر فيما على الزوج وفيما على الزوجة:

أما الزوج، فعليه مراعاة الاعتدال والأدب في اثني عشر أمراً:
الأول: الوليمة فإنها مستحبة.
الثاني: حسن الخلق مع الزوجات. واحتمال الأذى منهن لقصور عقلهن. وفي الحديث الصحيح: «استوصوا بالنساء خيراً، فانه خلقن من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فان ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً».
واعلم أنه ليس حسن الخلق مع المرأة كف الأذى عنها بل احتمال الأذى منها، والحلم على طيشها وغضبها، اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ففي الصحيحين، من حديث عمر رضي الله عنه أن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم كن يراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل. والحديث مشهور.
الثالث: أن يداعبها ويمازحها، وقد سابق عليه السلام عائشة رضي الله عنها، وكان يداعب نساءه صلى الله عليه وآله وسلم، وقال لجابر: «هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك».
الرابع: أن يكون ذلك بقدر، ولا ينبسط في الرعاية إلى أن تسقط هيبته بالكلية عند المرأة، بل ينبغي أن يقصد طريق الاقتصاد، وقد روينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه عتب على بعض عماله، فكلمته امرأة عمر رضي الله عنه فيه فقالت: يا أمير المؤمنين فيم وجدت عليه؟ قال: يا عدوة الله، وفيم أنت وهذا؟ إنما أنتِ لعبةُ يُلعب بكِ ثم تُتْركين.
الخامس: الاعتدال في الغيرة، وهو أن لا يتغافل عن مبادئ الأمور التي يَخشى غوائلها، ولا يبالغ في إساءة الظن، وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلاً.
السادس: الاعتدال في النفقة والقصد دون الإسراف والتقتير، ولا ينبغي للرجل أن يستأثر عن أهله بالطعام الطيب، فان ذلك مما يوغر الصدر.
السابع: أن يتعلم المتزوج من علم الحيض وأحكامه وما يدرى به كيف معاشرة الحائض، ويلقنها الاعتقاد الصحيح، ويزيل عن قلبها كل بدعة إن كانت، ويعلمها أحكام الصلاة والحيض والاستحاضة، فيعرفها أنها إذا انقطع دمها قبل المغرب بمقدار ركعة فعليها الظهر والعصر، وإذا انقطع دمها الصبح بمقدار ركعة فعليها قضاء المغرب والعشاء، وهذا لا يكاد النساء يراعينه.
الثامن: إذا كانت له نسوة ينبغي أن يعدل بينهن، والعدل في المبيت والعطاء، لا في الحب والوطء، فإن ذلك لا يملكه، فان سافر وأراد استصحاب إحداهن أقرع بينهن، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه.
التاسع: النشوز، فإذا كان النشوز من المرأة، فله أن يؤدبها ويحملها على الطاعة قهراً، ولكنه ينبغي أن يتدرج في تأديبها بتقديم الوعظ والتخويف، فإن لم ينفع هجرها في المضجع، فولاّها ظهره أو انفرد عنها بالفراش، وهجرها في الكلام فيما دون ثلاثة أيام، فإن لم ينفع ضربها ضرباً غير مُبَرّح، وهو أن لا يدمى جسماً، ولا يضرب لها وجهاً.
العاشر: في آداب الجماع، يستحب البداءة بالتسمية، والانحراف عن القبلة، وأن يتغطى هو أهله بثوب، وأن لا يكونا متجردين، وأن يبدأ بالملاعبة والضم والتقبيل. ومن العلماء من استحب الجماع يوم الجمعة، ثم إذا قضى وطره فليتمهل لتقضى وطرها، فان إنزالها ربما تأخر.
ومن الآداب: أن تأتزر الحائض بإزار من حَقْويها إلى ما بين الركبة إذا أراد الاستمتاع بها، ولا يجوز وطؤها في الحيض، ولا في الدُّبُرِ، ومن أراد أن يجامع مرة ثانية فليغسل فرجة ويتوضأ.
ومن الآداب: أن لا يحلق شعره، ولا يقلم أظافره، ولا يخرج دما وهو جنب، وأما الغزل فهو مباح مع الكراهة.
الحادي عشر: في آداب الولادة، وهى ستة:
الأول: أن لا يكثر فرحه بالذكر وحزنه بالأنثى، فانه لا يدرى في أيهما الخير.
الثاني: أن يؤذن في أذن المولود حين يولد.
الثالث: أن يسميه اسماً حسناً. وفي أفراد مسلم: «إن أحب أسمائكم إلى الله عز وجل عبد الله وعبد الرحمن» ومن كان له اسم مكروه، استحب تبديله، فقد غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسماء جماعة، وقد كره من الأسماء، أفلح، ونافع، ويسار، ورباح، وبركة، لأنه يقول: أهو ثمة؟ فيقال: لا.
الرابع: العقيقة عن الذكر شاتان، وعن الأنثى شاة.
الخامس: أن يحنكه بتمرة أو حلاوة.
السادس: الختان.
الثاني عشر: مما يتعلق بالزواج الطلاق، وهو أبغض المباحات إلى الله عز وجل فيكره للرجل أن يفاجئ به المرأة من غير ذنب، ولا يجوز للمرأة أن تلجئه إلى طلاقها، فإذا أراد الطلاق فليراع فيه أربعة أشياء.
الأول: أن يطلقها في طُهْرٍ لم يُصبها فيه، لئلا تطول عليها العدة.
الثاني: أن يقتصر على طلقة واحدة ليستفيد بها الرجعة إن ندم.
الثالث: أن يتلطف في الأمر في الطلاق بإعطائها ما تتمتع به لينجبر الفاجع، فقد روى عن الحسن بن على رضي الله عنهما أنه طلق امرأة وبعث إليها بعشرة آلاف درهم، فقالت: متاع قليل من حبيب مفارق.
الرابع: أن لا يفشى سرها، وفي الحديث الصحيح في أفراد مسلم «إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه، ثم ينشر سرها». وروى عن بعض الصالحين أنه أراد طلاق امرأته فقيل له: ما الذي يريبك منها؟ فقال: العاقل لا يهتك سراً، فلما طلقها قيل له: لم طلقتها فقال: مالي ولامرأة غيري. فهذا كله في بيان ما على الزوج.
القسم الثاني: من آداب المعاشرة، ما على الزوجة لزوجها. عن أبي أُمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لو جاز لأحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» لعظم حقه عليها. وفي هذا القسم أحاديث كثيرة تدل على تأكيد حق الزوج على زوجته، وحقوقه عليها كثيرة، أهمها أمران:
أحدهما: الستر والصيانة.
الثاني: القناعة:، وعلى هذا كان النساء في السلف، كان الرجل إذا خرج من منزله يقوله له أهله، إياك وكسب الحرام، فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار. ومن الواجب عليها: أن لا تفرط في ماله، فإن أطعمت عن رضاه كان لها مثل أجره، وإن كان بغير رضاه، كان له الأجر وعليها الوزر. وينبغي لوالديها تأديبها قبل نقلها إلى الزوج لتعرف آداب العشرة، وينبغي للمرأة أن تكون قاعدة في بيتها، لازمة لمغزلها، قليلة الكلام لجيرانها، كثيرة الانقباض حالة غيبة زوجها، تحفظه غائباً وحاضراً، وتطلب مسرّته في جميع الأحوال، ولا تخونه في نفسها ولا في ماله، ولا تُوطئ فراشه من يكره، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه، ولتكن همتها صلاح شأنها وتدبير بيتها، قائمة بخدمة الدار في كل ما أمكنها، ولتكن مُقَدَّمة لحق زوجها على حق نفسها وحق جميع أقربائها، آخر كتاب النكاح.

.كتاب آداب الكسب والمعاش وفضله وصحة المعاملة وما يتعلق بذلك:

اعلم أن الله سبحانه وتعالى بلطيف حكمته جعل الدنيا دار تسبب واكتساب، تارة للمعاش، وتارة للمعاد، ونحن نورد آداب التجارات، والصناعات، وضرورة الاكتساب وأسبابها ونشرحها.

.فصل في الكسب والحث عليه:

قال الله تعالى: {وجعلنا النهار معاشاً} [النبأ: 11]، فذكره في معرض الامتنان، وقال تعالى: {وجعلنا لكم فيها معايش قليلاً ما تشكرون} [الأعراف: 10] فجعلها نعمة، وطلب الشكر عليها، وقال تعالى: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم} [البقرة: 198].
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «طلب الحلال جهاد» و«إن الله ليحب العبد المحترف» وفي أفراد البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده». وفي حديث آخر: «أن زكريا عليه السلام كان نجاراً».
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: كان آدم عليه السلام حراثاً، ونوح نجاراً، وإدريس خياطاً، وإبراهيم ولوط زرًّاعين، وصالح تاجراً، وداود زراداً، وموسى وشعيب ومحمد صلوات الله عليهم رعاة. وأما الآثار فروى أن لقمان الحكيم قال لابنه: يا بني استعن بالكسب الحلال، فإنه ما افتقر أحد قط إلا أصابه ثلاث خصال: رقة في دينه، وضعف في عقله، وذهاب مروءته، وأعظم من هذه الخصال استخفاف الناس به. وقيل لأحمد بن حنبل: ما تقول في رجل جلس في بيته أو مسجده وقال: لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي؟ فقال أحمد: هذا رجل جهل العلم، أما سمع قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الله جعل رزقي تحت ظل رحى»، وقال حين ذكر الطير: «تغدو خماصاً وتروح بطاناً». وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يَتّجرون في البر والبحر، ويعملون في نخلهم، والقدوة بهم. وقال أبو سليمان الداراني: ليس العبادة عندنا أن تصف قدميك وغيرك يتعب لك، ولكن أبدأ برغيفيك فاحرزهما ثم تعبد، فان قيل: قال أبوالدرداء: زاولت التجارة والعبادة فلم يجتمعا، فاخترت العبادة؟ فالجواب: أنا لا نقول: إن التجارة لا تراد لذاتها، بلا للاستغناء عن الناس، وإغناء العائلة، وإفاضة الفضل على الإخوان، فأما إن كان المقصود نفس المال وجمعه، والتفاخر ونحو ذلك، فهو مذموم، وليكن العقد الذي به الاكتساب جامعاً لأمور أربعة: الصحة، والعدل، والإحسان، والشفقة على الدين.
الأمر الأول: في الصحة، فان كان العقد بيعا، فله ثلاثة أركان: العاقد والمعقود عليه، واللفظ.
الركن الأول: أما العاقد، فينبغي للتاجر أن لا يعامل المجنون، لأنه غير مكلف، فلا يصح بيعه، ولا يعامل العبد إلا أن يعلم أنه مأذون له، وكذلك الصبي لا يعامل إلا أن يكون قد أذن له الأب أو الوصي، فيصير بمنزلة العبد المأذون له، وعند الشافعي لا تصح عقود الصبي، ومعاملة الأعمى عندنا صحيحة، يصح بيعه وشراؤه، وعند الشافعي لا تصح. وأما الظَّلمة ومن أكثرُ مالِهِ حرامُ، فلا ينبغي أن يعامل إلا في شيء يعرف أن عينه حلال.
الركن الثاني: المعقود عليه، وهو المال المقصود نقله، ولا يجوز بيع الكلب، لأنه نجس العين. فأما البغل والحمار فيجوز بيعهما، سواء قلنا: إنهما طاهران أو نجسان، ولا يجوز بيع الحشرات، ولا بيع العود والمزمار، والصور المصنوعة من الطين ونحوه، ولا يجوز بيع ما لا يقدر على تسليمه حِساً ولا شرعاً، وأما الحِسُ فكالطير في الهواء، والعبد الآبق ونحوهما، وأما الشرع فكالمرهون، وبيع الأم دون الولد الصغير، أو الولد دون الأم، فهذا ممنوع تسليمه شرعاً.
الركن الثالث: اللفظ، وهو الإيجاب والقبول، فان تقدم القبول للإيجاب لم يصح في إحدى الروايتين، ويصح في الأخرى، سواء كان بلفظ الماضي أو بلفظ الطلب، فان تبايعا بالمعاطاة، فظاهر كلام أحمد صحة البيع. وقال القاضي أبو يعلى: لا يصح ذلك إلا في الأشياء اليسيرة، وهذا أصلح الأقوال، أعنى أن تكون المعاطاة في الأشياء المْحَقرة دون النفيسة، لجريان العادات بذلك، وينبغي من طريق الورع أن لا يترك الإيجاب والقبول ليخرج عن شبهة الخلاف، وقد شدد الله تعالى في أمر الربا، فينبغي أن يحذر من الوقوع فيه، وهو قسمان: ربا الفضل، وربا النسيئة، فينبغي أن يعرف ذلك وما يجرى فيه الربا، ويحتاج أيضاً أن يعرف شروط السلم، والإجارة والمضاربة، والشركة، فان المكاسب لا تنفك عن هذه العقود المذكورة.

.فصل في العدل واجتناب الظلم في المعاملة:

الأمر الثاني: وهو العدل، واجتناب الظلم في المعاملة، ونعنى بالظلم ما يتضرر به الغير، وهو ينقسم إلى ما يعم ضرره وما يخص.
الأول: الاحتكار، وهو منهي عنه لما فيه من غلاء السعر وتضييق الأقوات على الناس.
وصفته: أن يستكثر من ابتياع الغلات في الغلاء، ويتربص بها زيادة الأسعار، فأما إذا دخلت له غلة من ضيعته وحبسها، فليس محتكراً، وكذلك إذا كان الشراء في حال الاتساع والرخص على صفة لا يضيق على الناس، وفي الجملة تكره التجارة في القوت، لأنه قوام الآدمي.
القسم الثاني: ما يخص ضرره، نحو أن يثنى على السلعة بما ليس فيها، أو يكتم بعض عيوبها فيضر بذلك المشترى. وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «من غشنا ليس منا».
واعلم أن الغش حرام في البيوع، وفي الصناعات، وقد سئل الإمام أحمد عن رَفْو الثواب حتى لا يبين، فقال: لا يجوز لمن يبيعه أن يخفيه. وينبغي للتاجر أن يحقق الوزن، ولا يتخلّص في هذا حتى يرجح إذا أعطى، وينقص إذا أخذ، ومتى خلط العلاّف الطعام تراباً ثم كاله فهو مطفف، وكذلك القصاب إدا خلط عظما لم تجر العادة بمثله. وقد نُهى عن النَّجَش، وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها ليغر المشترى، ونهى عن التصرية.

.فصل في الإحسان بالمعاملة:

الأمر الثالث: في الإحسان بالمعاملة، وقد أمر الله تعالى بالعدل والإحسان، فمن الإحسان المسامحة في البيع، وأن لا يغبنه في الربح بما لا يتغابن في العادة، فأما أصل المغابنة فمأذون فيه، لأن البيع للربح، ولكن يراعى فيه التقريب، فإن بذل المشترى زيادة على الربح المعتاد لشدة رغبته وحاجته، فينبغي أن يمتنع البائع من قبول ذلك، فإن ذلك من الإحسان. ومن ذلك أنه إذا أراد استيفاء الثمن أو الدين، فيحسن تارة بالمسامحة وتارة بحط البعض، وتارة بالإنظار، وتارة بالتساهل، وتارة في جودة النقد. ومن الإحسان: أن يقيل من يستقيله، فإنه لا يستقيل إلا متضرر بالبيع، والأحاديث تشهد بفضل هذه الأمور المذكورة، وما لصاحبها من الأجر والثواب.

.فصل في شفقة التاجر على دينه:

الأمر الرابع: في شفقة التاجر على دينه فيما يخصه ويعم آخرته، لا ينبغي للتاجر أن يشغله معاشه عن معاده، بل يراعى دينه، وإنما تتم شفقته على دينه بمراعاة ستة أشياء:
الأول: حسن النية في التجارة، فلينو بها الاستعفاف عن السؤال، وكف الطمع عن الناس، والقيام بكفاية العيال، ليكون بذلك من جملة المجاهدين، ولينوا النصح للمسلمين.
الثاني: أن يقصد القيام في صناعته أو تجارته بفرض من فروض الكفايات، فإن الصناعة والتجارة لو تركت بطل المعاش، إلا أن من الصناعة ما هو مهم ومنها ما يستغني عنه لكونه متعلقاً بالزينة أو طلب التنعم، فليشتغل بصناعة مهمة، ليكون في قيامه بها كافياً عن المسلمين مهماً، وليتجنب صناعة الصياغة، والنقش، وتشييد البنيان بالجص، وجميع ما يزخرف به، فانه مكروه.
ومن المعاصي: خياطة الخياط القباء الديباج للرجل، ويكره أن يكون جزاراً، لأنه يوجب قساوة القلب، أو حجاماً، أو كناساً لما فيه مباشرة النجاسة، وفي معناه الدباغ. ولا يجوز أخذا الأجرة على تعليم القرآن، والعبادات، وفروض الكفايات.
الثالث: أن لا يمنعه سوق الدنيا عن سوق الآخرة، وسوق الآخرة المساجد، فينبغي أن يجعل أول النهار إلى وقت دخول السوق لآخرته، فيواظب على الأوراد، وقد كان صالحو السلف من التجار يجعلون أول النهار وآخره للآخرة، ووسطه للتجارة، وإذا سمع أذان الظهر والعصر، فينبغي أن يترك المعاش اشتغالاً بأداء الفرض.
الرابع: أن يلازم ذكر الله تعالى في السوق، ويشتغل بالتسبيح والتهليل.
الخامس: أن لا يكون شديد الحرص على السوق والتجارة، فلا يكون أول من يدخل السوق، ولا آخر من يخرج منها.
السادس: أن لا يقتصر على اجتناب الحرام بل يتوقى مواقع الشبه ومواضع الريب، ولا يقف مع الفتاوى.

.بيان الحلال والحرام:

اعلم أن طلب الحلال فرض على كل مسلم، وقد ادعى كثير من الجهال عدم الحلال، وقالوا: لم يبق منه إلا الماء الفرات، والحشيش النبات، وماعدا ذلك فقد أفسدته المعاملات الفاسدة، فلما وقع لهم هذا، وعلموا أنه لا بد لهم من الأقوات توسعوا في الشبهة والحرام، وهذا من الجهل، وقلة العلم، فإن في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الحلال بين، والحرام بين، وبينها أمور مشتبهات». ولما كانت هذه الدعوى من هؤلاء الجهال بدعة قد عم ضررها، واستطار في الدين شررها، وجب كشف الغطاء عن فسادها بالإرشاد إلى مدرك الفرق بين الحلال والشبهة.
ونحن نوضح ذلك في أقسام:
القسم الأول: في فضيلة طلب الحلال، وذم الحرام، ودرجات الحلال والحرام. قال الله تعالى: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً} [المؤمنون: 51]، والطيبات: الحلال، فأمر بذلك قبل العمل، وقال في ذم الحرام: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} [البقرة: 188]، إلى غير ذلك من الآيات. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً» وذكر الحديث إلى قوله: «ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء، يارب يارب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذى بالحرام، فأنى يستجاب لذلك» رواه مسلم. وروى في ذلك غير حديث. وروى أن سعداً سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تستجاب دعوته، فقال له «أطب طعمتك تستجب دعوتك». وقد كان السلف ينظرون في الحلال ويدققون فيه، فأكل أبو بكر الصديق رضي الله عنه شيئاً من شبهة ثم قاءه.

.فصل في درجات الحلال والحرام:

اعلم أن الحلال كله طيب، ولكن بعضه أطيب من بعض، والحرام كله خبيث، ولكن بعضه أخبث من بعض، كما أن الطيب يحكم على كل حلو بالحرارة، ولكنه يقول: هذا حار في الدرجة الأولى، وهذا في الدرجة الثانية، وهذا في الثالثة، وهذا في الرابعة. مثال ذلك في الحرام المأخوذ بعقد فاسد، حرام ولكنه ليس في درجة المغصوب على سبيل القهر، بل المغصوب أغلظ، إذ فيه إيذاء الغير، وترك طريق الشرع في الاكتساب، وليس في العقود الفاسدة إلى ترك طريق التعبد فقط، وكذلك المأخوذ ظلما من فقير أو صالح أو يتيم، أخبث وأغلظ من المأخوذ من قوى أو غنى أو فاسق.

.فصل في درجات الورع:

والورع له درجات أربع:
الدرجة الأولى: وهى درجة العدول عن كل ما تقتضي الفتوى تحريمه، وهذا لا يحتاج إلى أمثلة.
الدرجة الثانية: الورع عن كل شبة لا يجب اجتنابها، ولكن يستحب، كما يأتي في قسم الشبهات. ومن هذا قوله صلى الله عليه وآله وسلم «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك».
الدرجة الثالثة: الورع عن بعض الحلال مخافة الوقوع في الحرام.
الدرجة الرابعة: الورع عن كل ما ليس لله تعالى، وهو ورع الصديقين، مثال ذلك ما روى عن يحيى بن يحيى النيسابوري رحمة الله عليه أنه شرب دواءً، فقالت له امرأته: لو مشيت في الدار قليلاً حتى يعمل الدواء، فقال: هذه مشية لا أعرفها، وأنا أحاسب نفسي منذ ثلاثين سنة.
فهذا رجل لم تحضره نية في هذه المشية تتعلق في الدين، فلم يقدم عليها، فهذا من دقائق الورع.
والتحقيق فيه أن الورع له أول وغاية، وبينهما درجات في الاحتياط، فكلما كان الإنسان أشد تشديداً، كان أسرع جوازاً على الصراط، وأخف ظهراً، وتتفاوت المنازل في الآخرة بحسب تفاوت هذه الدرجات في الورع، كما تتفاوت دركات النار في حق الظلمة بحسب درجات الحرام، فإن شئت فزد في الاحتياط، وإن شئت فترخص، فلنفسك تحتاط وعليها تترخص.
القسم الثاني: في مراتب الشبهات وتمييزها عن الحلال والحرام، وحديث النعمان بن بشير رضي الله عنه نص في هذه الأقسام الثلاثة، وهى الحلال والحرام وما بينهما، والمشكل فيها هو المتوسط الذي لا يعرفه كثير من الناس، وهو الشبة. ونحن نكشف الغطاء عنها فنقول: الحلال المطلق الذي لا يتعلق بذاته صفة توجب تحريماً لعينه، ولا يتعلق بأسبابه ما يطرق إليه تحريماً أو كراهية. مثال ذلك الماء الذي يأخذه الإنسان من المطر قبل أن يقع على ملك أحد. الحرام المحض: ما فيه صفة محرمة، كالشدة في الخمر، والنجاسة في البول، أو حصل بسبب منهي عنه، كالمتحصل بالظلم والربا، فهذان الطرفان ظاهران، ويلتحق بهما ما تحقق أمره، ولكن يحتمل تغيره، ولم يكن لذلك الاحتمال سبب ظاهر يدل عليه، فإن صيد البر والبحر حلال، إلا أنه من صاد ظبية أو سمكة، فإنه يحتمل أن يكون قد ملكها صياد ثم أفلتت، وهذا الاحتمال لا يتطرق إلى ماء المطر المختطف من الهواء، فمساكنة ذلك الاحتمال في الصيد ورع الموسوسين، لأنه وهم مجرد لا دلالة عليه، فلو دل عليه دليل، مثل أن يجد الظبية جرحا لا يقدر عليه، إلا بعد الضبط، كالكي، ويحتمل أن يكون غيره، فهذا موضع الورع. وحد الشبهة ما تعارض فيه اعتقادان صدرا عن شيئين مقتضيين لاعتقادين. ومثالات الشبهة كثيرة، والمهم منها مثالان:
المثال الأول: الشك في السبب المحلل أو المحرم، وينقسم إلى أربعة أنواع:
النوع الأول: أن يكون الحلُّ معلوماً من قبل، ثم يقع الشك في المحلل، فهذه شبهة يجب اجتنابها، ويحرم الإقدام عليها، مثاله أن يرى صيداً فيجرحه فيقع في الماء فيصادفه ميتاً، ولا يدرى هل مات بالغرق أو بالجرح؟ فهذا حرام، لأن الأصل التحريم.
النوع الثاني: أن يعرف الحل ويشك في المحرم، فيكون الأصل الحل، والحكم له، كما لو طار طائر، فقال رجل: إن كان هذا غراباً فامرأته طالق، وقال آخر: وإن لم يكن غراباً، فامرأته طالق، تم التبس الأمر، فإنا لا نقضي بالتحريم في واحد منها، ولكن الورع اجتنابهما وتطليقهما.
النوع الثالث: أن يكون الأصل التحريم، ولكن طرأ ما يوجب التحليل بظن غالب فهو مشكوك فيه، والغالب حِلُه، مثاله أن يرمى إلى صيد فيغيب عنه ثم يدركه ميتاً وليس عليه أثر سوى سهمه، فهذا الظاهر فيه الحل، لأن الاحتمال إذا لم يستند إلى دليل التحق بالوسوسة، فأما إن ظهر عليه أثر صدمة أو جراحة أخرى التحق بالنوع الأول.
النوع الرابع: أن يكون الحل معلوماً، ولكن يغلب على الظن طريان المحرم بسبب معتبر في غلبة الظن شرعاً، مثاله أن يؤدى اجتهاده إلى نجاسة أحد الإناءين بالاعتماد على علامة معينة توجب عليه الظن، فتوجب تحريم شربه، كما أوجب منع الوضوء به.
المثال الثاني: أن يختلط الحرام بالحلال، ويشتبه الأمر فيه. وذلك على أضرب:
أحدها: إذا اختلطت ميتة بُمذكّاة، أو بعشرة من المذكيات، ونحو ذلك من العدد المحصور، ومثله أن تشتبه أخته بأجنبيات، فهذه شبهة يجب اجتنابها.
الثاني: أن يختلط حرام محصور بحلال غير محصور، كما لو اشتبهت أخته أو عشر رضائع بنسوة بلد كبير، فلا يلزم بهذا اجتناب نكاح أهل البلد، بل له أن ينكح من شاء منهن، لأن في تحريمهن حرجا كبيراً، وكذلك من علم أن مال الدنيا خالطه حرام قطعاً، لم يلزمه ترك الشراء والأكل، لأن في ذلك حرجاً، وقد علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه أن في الناس من يرابي، وما تركوا الدراهم بالكلية، وأن مِجَنَّاً سُرِقَ في زمانه، وما تركوا شراء مجن، فاجتناب هذا من ورع الوسوسة.
الثالث: أن يختلط حرام لا يحصر بحلال لا يحصر، كحكم الأموال في زماننا هذا، فلا يحرم بهذا الاختلاط تناول شيء بعينه، إلا أن يقترن بتلك العين علامة تدل على أنه من الحرام نحو أن يأخذه من يد سلطان ظالم، فإن لم يكن له علامة، فتركه ورع، ولا يحرم ذلك، لأنه قد علم في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والخلفاء بعده أن أثمان الخمور ودراهم الربا وغلول الغنيمة اختلطت بالأموال، وقد أدركت الصحابة نهب المدينة وتصرف الظلمة ولم يمنعوا من الشراء بالسوق، ولولا صحة ذلك لانسد باب جميع التصرفات فإن الفسق يغلب على الناس، لكن الأصل في الأموال الحل، وإذا تعارض أصل وغالب، ولا أمارة على الغالب، حكم بالأصل، كما قلنا في طين الشوارع وأواني المشركين، فقد توضأ عمر رضي الله عنه من جرة نصرانية، مع أن مشربهم الخمر ومطعمهم الخنزير ولا يحترزون من نجاسة، وكانت الصحابة تلبس الفراء المدبوغة والثياب المصبوغة. ومن تأمل أحوال الدباغين والصباغين، علم غلبة النجاسة عليهم، فيدل ذلك على أنهم لم يكون يحترزون إلا من نجاسة مشاهدة، أو يكون عليها علامة، فأما الظن الذي يستفاد من رد الوهم إلى مجارى الأحوال، فلم يعتبروه، فان قيل قد كانوا يتوسعون في أمور الطهارة قلنا: إن أردت أنهم كان يصلون مع النجاسة فباطل، وإن أردت أنهم احترزوا من كل نجاسة وجب اجتنابها فصحيح، وأما تورعهم عن الشبه، فكان بطريق كف النفس عما ليس به بأس مخافة ما به بأس، والنفس تميل إلى الأموال كيف كانت بخلاف الأنجاس، وقد كانوا يمتنعون مما يشغل قلوبهم من الحلال، والله أعلم.
القسم الثالث: من الكتاب: في الحلال والحرام والبحث، والسؤال، والهجوم، والإهمال ومظانها.
اعلم أنه لو قدم لك الطعام أو أُهديت لك هدية، أو أردت أن تشترى شيئاً من شخص فليس لك أن تقول: هذا مما لا أتحقق حله، فأريد أن أفتش عنه وليس لك أن تترك البحث مطلقاً، بل السؤال واجب مرة، ومندوب مرة، ومكروه مرة.
والقول الشافي فيه: أن مظنة السؤال الريبة، وهى تحصل إما من أمر يتعلق بالمال أو بصاحب المال، أما ما يتعلق بصاحب المال، فنحو أن يكون مجهولاً، وهو الذي ليس عليه قرينة تدل على ظلمة، كزِيَّ الأجناد، ولا على صلاحه. كثياب أهل العلم والزهد، فها هنا لا يجب السؤال ولا يجوز، لأن فيه هتك المسلم، وإيذاءه، ولا يقال لهذا: إنه مشكوك فيه، لأن المشكوك فيه هو الذي تحصل فيه الريبة بدلالة، مثل أن يكون على خِلقة الأتراك، وأهل البوادي المعروفين بالظلم، وقطع الطريق، فهذا يجوز معاملته، لأن اليد تدل على الملك، وهذه الدلالات ضعاف، إلا أن الترك من الورع. وأما ما يتعلق بالمال. فنحو أن يختلط الحرام بالحلال، كما إذا طرح في السوق أحمال من طعام مغصوب فاشتراها أهل السوق، فإنه لا يجب على من يشترى في تلك البلدة من السوق أن يسأل عما يشتريه، إلا أن يظهر أن أكثر ما في أيديهم حرام، فعند ذلك يجب السؤال، فإن لم يكن الأكثر حراماً كان التفتيش ورعاً غير واجب. وكذلك نقول في رجل له مال حلال خالطه حرام، مثل أن يكون تاجراً يعامل معاملات صحيحة وُيرابي، فهذا إن كان الأكثر من ماله حراماً، لم تجز قبول ضيافته ولا هديته إلا بعد التفتيش، فإن ظهر أن المأخوذ من وجه حلال جاز، وإلا ترك، وإن كان الحرام أقل، فالمأخوذ شبهة، والورع تركه.
واعلم أن السؤال إنما يقع لأجل الريبة، فلا ينقطع إلا من حيث تنقطع الريبة المفضية له، بأن لا يكون المسئول متهماً، فإن كان متهماً وعلمت أن له غرضاً في حضورك أو قبول هديته، فلا ثقة بقوله، وينبغي أن يسأل غيره.
القسم الرابع: في باب الحلال والحرام، وكيفيه خروج التائب عن المظالم المالية.
اعلم أن من تاب وفي يده مال مختلط، فعليه تمييز الحرام وإخراجه، فإن كان معلوم العين، فأمره سهل، وإن كان ملتبساً مختلطاً، فإن كان من ذوات الأمثال، كالحبوب والنقود والأدهان، وكان معلوم القدر، ميز ذلك القدر، فإن أشكل فله طريقان:
أحدهما: الأخذ بغالب الظن.
والثاني: الأخذ باليقين، وهو الورع.
فإذا أخرج المال، فإن كان له مالك معين، وجب صرفه إليه أو إلى وارثه، وإن كان لذلك المال زيادة ومنفعة، جمع ذلك كله وصرفه إليه، وإن يئس من معرفة المالك ولم يدر أمات عن وارث أم لا؟ فليتصدق به، وإن كان ذلك من مال الفيء والأموال المرصدة لمصالح المسلمين، صرف ذلك إلى القناطر والمساجد ومصالح طريق مكة وما ينتفع به كل من يمر من المسلمين.
مسألة: إذا كان في يده مال حلال وشبهة، فليخص نفسه بالحلال، وليقدم قوته وكسوته على أجرة الحجَّام والزيت وإسجار التنور، وأصل هذا قوله صلى الله عليه وآله وسلم في كسب الحجام: «اعلِفْهُ ناضِحَك». ولو كان في يد أبويه حرام، فليمتنع من مؤاكلتهما، فإن كان شبهة داراهما، فإن لم يقبلا تناول اليسير. وقد روى أن أم بشر الحافي ناولته تمرة فأكلها، ثم صعد الغرفة فقاءها.
القسم الخامس: في إدرار السلاطين وصلاتهم، وما يحل من مخالطة السلاطين الظلمة، ونحو ذلك.
اعلم أن من أخذ مالاً من السلطان فلا بد أن ينظر في مدخل ذلك إلى السلطان من أين هو، وفي صفته التي يستحق بها الأخذ، وفي المقدار الذي يأخذه، هل يستحقه؟ وقد تورع جماعة عن ذلك، وكان فيهم من يأخذه فيتصدق به. وأما في هذا الزمان، فالاحتراز عنه أولى، لأنه قد علم طريق الأخذ، ثم لا ينال إلا بالذل والسؤال والسكوت على الإنكار. وقد كان بعض السلف لا يأخذ، ويعلل بأن باقي المستحقين لم يأخذوا، وهذا ليس بشيء، لأنه يأخذ حقه ويبقى أولئك في مقام مظلوم، وليس المال مشتركاً.